17 - 07 - 2024

عجايب غراب أبيض | تعظيم سلام لحمير غزة

عجايب غراب أبيض | تعظيم سلام لحمير غزة

قرأنا صغارا للحكيم "توفيق" عن "حماره"، فأحببنا الحمير معه، وقدرناها. أنصفها "توفيق الحكيم" من إساءة "بني آدميين" واتهامها بالغباء. فالحمار ليس إلا حمال مشاق وقسوة عنيد مثابر، وأيضا متواضع. تنتفخ بطنه ولاينتفخ غرورا وبالعظمة والنفاق وشر المنافقين. فكيف نلوم على"الحكيم"استضافة حماره بفندق ليقيم معه؟.

هذا الأسبوع، ذكرني مقال بعنوان "حمير غزة والأنظمة العربية" لحمزة البشتاوي في "الأخبار" اللبنانية بهم، وقد وصفهم بالشهامة وبالذكاء نصرة لفلسطين وأهلها الصامدين بغزة، ونبه إلى استهدافهم بدورهم بالقصف والإغتيالات. كما ذكرني برواية كتبها الأديب الفلسطيني "يحيى يخلف" بعنوان "تفاح المجانين" قرأتها في بداية الثمانينيات، عن كيف يتعلم الإنسان المستضعف المقهور التمرد والثورة من جحش يأكل من ثمار نبات بري عجيب على حدود المخيم. 

لكن حمير غزة أصبحت تظهر أيضا على شاشات الفضائيات. تصنع المعجزات ولا أقول "الإنجازات". ويسطرون صفحات بطولة بلا "طنطنة ولا شنشنة وإعلانات واستعلامات"، وكل لحظة وسط مجازر الإبادة الصهيونية وخرابها.

أربعة أشهر مرت اليوم وأعداء الإنسان والإنسانية والحرية والثورات على الظلم والاستبداد والقهر والنهب والفقر مازالوا يعيدون غزة إلى العصر الحجري، وما قبل الحضارة الحديثة. حسنا.. قل يا سفاح اليوم عن غزة وغدا عن كل غزة داخل فلسطين أو خارجها: "لا كهرباء ولا دواء ولاماء ولا وقود"، وأيضا أضف ما شئت من ممنوعات البقاء على قيد الحياة. لا يهم مادام معنا الحمير، وكل الطيبين المخلصين العنيدين الأقوياء.

لا تنسوا حمير غزة في كتابة تاريخ هذه المنطقة. بل إنسوا الأنظمة والزعماء والقادة العظام جدا وانجازاتهم "القومية العظمى" المدعاة، ومعها سجونهم ومشانقهم وحساباتهم في بنوك الأعداء وشركات البزنيس المموهة بالخارج ورجال أعمالهم وانتخاباتهم المزورة وصحفهم وشاشاتهم المنافقة الكاذبة بالداخل. وتذكروهم، وكل أرض لاتخلو من "تفاح المجانين".

شكرا لحمير غزة، التي لايمدون لجلالتها وفخامتها وسموها ومعاليها البساط الأحمر ولا يعزفون لها الأناشيد الوطنية ولا تنام في الفنادق والقصور الحصينة الفاخرة، لم تخذلنا .

أنتم من تستحقون تعظيم سلام. 

وعجايب!
----------------------------
بقلم: كارم يحيى

مقالات اخرى للكاتب

عجايب غراب أبيض | كوباية شاي وشقة طعمية